السبت، 19 مارس 2011

الاستفتاء يعكس وجه مصر "الجديدة"- أو عودة الروح*

هذه التدوينة تختلف كثيراً عن ما كتبته من خبرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأكثر ما يختلف أمرين، الأول إن خبرتي ناس كثير عاشوها وفي الغالب مش هأقول حاجة جديدة على عكس انتخابات برلمان نوفمبر 2010 اللي ناس قليلة شاركت فيها ومشاركتي كانت تضيف معلومة للبعض، الأمر الثاني هو الإحساس العام بعد المشاركة في الانتخابات قي نوفمبر 2010 والاستفتاء في مارس 2011 واللي بالتالي بأنقله - شئت أم أبيت- فيما أكتبه...

لم أكن أريد أن أدخل في مقارنة الانتخابات والاستفتاء لكن شيئاً ما يدفعني لذلك، ولن أدعي أن مصر بعد الثورة بقى لونها بامبي - في نفس لون حبر الاستفتاء - ولكن ما يلي يدخل في حيز الانطباعات الشخصية إزاء التجربتين:

قبل الانتخابات والاستفتاء: اتخاذ القرار

مرحلة تتراوح مدتها من أسبوع لأسبوعين وهي مرحلة بحث عن معلومات وتفكير.

- في انتخابات البرلمان لم أبحث عن معلومات وكنت أجد أن الفترة مابين إعلان أسماء المرشحين والانتخابات قصيرة مع إحساسي بنقص المعلومات وشكي في نزاهة الانتخابات. وبالتالي جاء قراري بإبطال صوتي.

- فيما يخص الاستفتاء بحثت عن معلومات ومقالات وآراء من هنا وهناك، أحياناً فهمت وأحياناً أخرى لم أفهم شيئاً. أدركت في نهاية الأمر أن كل من ال نعم و ال لا قد يوصلوننا إلى نفس الطريق بخطوات مختلفة وأن الأمر في النهاية في يد من بيده الأمر في الوقت الحالي. أدركت أيضاً أن كل معلومة لها معلومة أخرى تناقضها، يعني مثلاً: معلومة إن ال نعم ستقصر الفترة الانتقالية أمامها معلومة ال لا ستقصر المرحلة الانتقالية. وأمام كل هذا أدركت أن كل هذه الآراء المتحدثة عن توابع الاختيار هي مجرد اجتهادات شخصية ومن سيحدد توابع النتيجة النهائية من خطوات عملية تحدد مستقبلنا هو الجيش في المقام الأول ومن بعده بقية العناصر الفاعلة من معارضة وشعب ومجتمع دولي و"فلول نظام"و...
كنت بحاجة لتصريح من الجيش أو من جهة مسئولة واحدة (مصدر واحد معتمد) يوضح ما يتبع ال نعم وما يتبع ال لا من نتائج وخطوات. ولكن كالعادة وللأسف، الرد الذي يمكن أن أقابل به حيال طلبي: هي دي السياسة، والسياسة فيها لعب، وكل واحد بيدور على مصلحته. وبعقلي الطفولي أرفض الإهانة الدائمة للسياسة وأطالب بسياسة تأخذ برأي الأطفال وتكون أكثر شفافية، سياسة تبحث عن الصالح العام لا الخاص... المهم أخذت قرار نهائي وربنا يستر في كل الأحوال...

الجو العام للعملية "الديموقراطية"

- في انتخابات البرلمان ذهبت بمفردي أجرجر أرجلي واتبهدلت وأنا بأدور على مكان لجنتي وعانيت من نقص معلومات القائمين على العملية الانتخابية سواء شرطة أو مدنيين.
المشاركون من العائلة: والدي شارك فيها، أختي كانت ناوية ثم عدلت عن رأيها، والدتي لم تشارك. يعني المشاركة 50% في منزلنا الموقر.
المشاركون بشكل عام: كنت بأعرف من شارك بالصدفة وكثير قاطعوها عشان ما فيش فائدة وعشان أكيد كان هيحصل تزوير (اللي فعلاً حصل).

- الاستفتاء أمر مختلف، استفتاء عائلي، نذهب نحن الأربعة إلى أقرب مدرسة بها لجنة على بعد دقيقتان- بمعدل مشاركة 100% من العائلة- وحتى أستاذ لاكي -كلبنا العزيز- شبط فينا وقال أبداً ما تنزلوا من غيري. مش فاهمة هو كان عاوز يستفتي هو كمان ولا إيه!
صديقات والدتي سيدات البيوت يشاركن، ابن البواب شارك، أهل أصدقائي شاركوا، والأصدقاء من الشباب الذين لم يشاركوا من قبل يشاركون ويصوروا أصبعهم الملون بالحبر البامبي لوضعه على الفيس بوك...

الجو العام مريح واجتماعي وعائلي: الشرطة خارج أبواب المدرسة والجيش داخل الأبواب، لا يمانعون من إدخالنا مع لاكي العزيز بحوش المدرسة... أكيد الصورة الذهنية عندي للشرطة وكمان للجيش مش قد كدة، لكن معاملة من قابلناهم كانت جيدة بغض النظر عن ما يحمله المرء من مشاعر سلبية حيال أحداث معينة تسببوا بها...
المشاركون بالاستفتاء يعكسون كل فئات الشعب: طابور للرجال وآخر للنساء، جميع الأعمار، محجبات ومنقبات وغير محجبات، ناس كتير رايحين عائلة، ناس واخذة عيالهم معاهم ... الجو العام يعكس روحاً إيجابية وتناغماً وألفة بين الجميع: حوارات، ناس بتسلم على بعض من الحتة (وإحنا كمان سلمنا على ناس)، الناس مش متضايقة من الطابور وصابرة على عكس المعتاد من قلة الصبر والعصبية.. كان جو عائلي- عائلة مصر :) .. أشعر أن الجميع أصبح يدرك قيمة صوته في تحديد مستقبله هو وأوبنائه.. أشعر إننا أصبحنا أكثر فخراً بأنفسنا كمصريين وببلدنا...

في الطابور اكتشفنا إنهم بيأخذوا عدد رجال أكثر، في الأول حسيت إنه تفضيل آخر يعكس تفضيل الرجال على النساء مثله مثل قوانين كثيرة.. ولكن الحقيقة إن طابور الرجال كان أطول بكثير وأن الحل الذي اتبعه القائمون على اللجنة قلل وقت الانتظار على الجميع رجالاً ونساءاً. قبل الدخول تحدثت مع شخص عند الباب - كان يسمح بمرور الناس داخل اللجنة وأعتقد إنه القاضي- عن حجم الورقة، أصلها كبيرة قوي، كتبوا فيها نص التعديلات، كان رأيي إن حرام كل ده حجم الورقة عشان نقول نعم أو لا، مصاريف على البلد، وكان رأيه هو كمان كدة وإن الناس أكيد جاية قارئة التعديلات وعارفة هتختار إيه، فمالوش لازمة يعني كل دي ورقة! اناس بتفكر والله وبتنقد :)

الإجراءات إلى حد كبير منظمة: لجنة واحدة (فصل واحد) تستقبل صفي الرجال والنساء، عند الدخول هناك أكثر من مكتب يجلس بكل مكتب شخصين أو ثلاثة، يوجهوا الشعب للمكتب حسب المنطقة المدونة بالبطاقة (من المنطقة أو لا في الغالب)، عند المكتب الذي يتم توجهيك إليه يتم أخذ البطاقة لتدوين بياناتها في دفتر، تأخذ الورقة الكبيرة للاستفتاء وتختار ثم تضعها في الصندوق ثم توقع في الدفتر بجوار اسمك وتدلدل صبعك جوة قارورة الحبر وتأخذ البطاقة وتتوكل على الله...

خوفي الوحيد بعد خروجي هو إمكانية استخدام الشخص لصوته أكثر من مرة خاصة بعد أن وجدت أن أحد الأصدقاء اختفى الحبر من أصبعه بفعل الحموم وإن أمي اختفى بفعل الطبيخ... ولا أعرف إذا كانت أسماء المشاركين وأرقام بطايقهم ستدون الكترونياً بشكل يكشف اعدد مرات المشاركة أم لا... إما إمكانية حدوث تزوير أصلاً من عدمه فهذا أمر آخر...

نعود ونتحدث مع البواب وزوجته ونشجعهما على الذهاب، ونتناقش قليلاً حول الموضوع...
ما يهمني من كل هذا أنه يبدو لي أن الشعب المصري قد عادت إليه الروح من جديد ودبت فيه الحياة ويارب ما يتنازل عن حياته مرة تانية...

رابط تدوينة انتخابات البرلمان 2010



* رواية للكاتب الكبير توفيق الحكيم