الجمعة، 30 نوفمبر 2012

أنا حرة- إحسان عبد القدوس

وكانت لا تزال ُمصرة على البحث عن الإيمان... إيمان يبرر حريتها ويحدد هدفها... فالتحقت بجمعية خيرية لمساعدة الفقراء، وذهبت إلى عباس لتبلغه خبر التحاقها بهذه الجمعية، وكانت متعبة مرهفة الإحساس منهوكة الأعصاب من طول سهادها، ومن طول العذاب...

وكانت ساعة متأخرةمن المساء وكان عباس جالساً إلى مكتبه يكتب وقد خلت الدار من كل الناس...

وتلقى عباس الخبر ثائراً، وألقى بقلمه من يده، وقال لها وهو يقوم من وراء مكتبهويحاول أن يبدو متهكماً أكثر من منه ثائراً:
- وليه ما تنضميش لصالة بديعة!

ونظرت إليه بعينين غاضبتين وقالت في عنف: 
-    قصدك إيه؟
- الجمعيات دي مش أكثر من صالة بديعة... شوية ستات ماشيين عريانيين... يبيعوا لحمهم مع الويسكي والشمبانيا لأسيادنا الأغنياء.

قالت في دهشة:
- ده علشان الفقراء...

قال وهو يروح ويجيء في الغرفة:
- الفقراء أصحاب حق... مش لازم يعيشوا على الإحسان... لازم يفضلوا فقرا، ويمرضوا، وموتوا، ويشوفوا الغلب، لغاية ما يثوروا ويطالبوا بحقهم...

قالت في صوت ضعيف كأنها تسترحم:
- وولادهم... الأطفال الغلابة اللي مالهمش ذنب...

واتسعت خطواته وأخذ يدق بها الأرض كأنه يريد أن يشعلها ناراً، وصرخ:
- ودول كمان لازم يموتوا علشان أهاليهم تثور... يموتوا ولا يعيشوا على الإحسان...

وصرخت وكأنها لم تعد تطيق مناقشته ولا سماع صوته: 
- أنت ما عندكش قلب... أنت حقود... أنت مدمر... أنت هدام... حرام عليك، لازم تعمل حساب الناس...

وبدا كأنه جن، واقترب منها وفي عينيه نار، ومد ذراعيه إليها وغرز أصابعه في كتفيها ورفعها من فوق مقعدها وأخذ يهزها في عنف وهو يصرخ:
- حساب الناس هو حساب الثورة، لازم تقوم ثورة... لازم كلنا نحترق ونحرق معانا كل شيء... مش ممكن حنبني إلا لما نهدم... فاهمة... لازم تقوم تقوم...