السبت، 9 يوليو 2011

مبادرة بير السلم

من بعد الثورة ولنقل من بعد التنحي[1]، أصابني مثلما أصاب الكثيرين طاقة من الأمل والشعور بملكية المكان الذي ينبع منه الشعور بالمسؤولية والقدرة على العطاء. أتذكر يوم السبت 12 فبراير عندما ركبنا تاكسي أبيض للذهاب للتحرير، كان يضع علم صغير في مقدمة سيارته وكأنها سيارة لسفير، كنت أنظر لطريق طالما ألفته بأعين جديدة. قبل أن ننزل كنت أتحدث لصديقة مصرية بالخارج على سكايب سألتني أين أنا فأجبتها في مصر الجديدة فظنت إني بمنطقة مصر الجديدة بينما كنت في الظاهر، كانت مصر جديدة في عيني في ذلك اليوم بكل محافظاتها وناسها، كنت أشعر أن مصر أصبحت بلدنا، بيتنا، رجعت لنا...
بداخلي شعور شخصي أن الثورة يجب عليها أن تكسر حواجز الطبقات والفروق الاجتماعية، أن نرى كل الفئات تتحدث مع بعضها: الفقير والغني، المسلم والمسيحي والبهائي والمٌلحد، الرجل والمرأة، الجيران... نجح النظام السابق في خلق متضادات كثيرة وأقنعنا أن تلك "المتضادات" يستحيل أن تلتقي بل هي خطر على كل طرف: الغني يخشى من حسد الفقير والفقير يحقد على الغني، كل دين ينغلق على ذاته ويأخذ في نقد الآخر وأحياناُ الإساءة إليه والتحذير من التعامل معه، الاقتصاد المتدهور قام بتأخير سن الزواج فازداد الكبت الجنسي والإحباط وأصبح الشارع المصري مسرحاً للتحرش يشوه وجه العلاقات بين المرأة والرجل في المجتمع، ومع ازدياد المشاكل والقرف اليومي في الأعمال والمواصلات والزحمة أصبح بالنا قصير وعالمنا ضيق فاختفت مودة الجيران ومروءة الشباب والإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطن وانتشر سلوك "يللا نفسي".
بعد التنحي، لم أعد أستطيع أن أقبل أو أتسامح مع واقع ما قبل الثورة، مع مشكلات كنت أسمعها فتملأني بالهم والشجن على وطن أريده أجمل. بعد الثورة بدأ المجتمع المدني في التحرك بشكل أكبر، وإني واثقة أن نسب التطوع والمشاركة بين الشباب قد ازدادت وستزداد في السنوات القادمة.
ومن أكثر المشاكل المؤرقة مشكلة التعليم، واقع مرير: أطفال ينجحون بالفلوس أو مساعدة أحد المدرسين داخل لجنة الامتحان وآباء يرضخون لهذا الابتزاز وكأن الشهادة أهم من التعليم في حد ذاته، ومدرسين رواتبهم ضئيلة يلجئون للدروس الخصوصية أو بيع ضمائرهم لإنجاح أطفال أميين. وفوق كل هؤلاء نظام تعليمي سمح بذلك ويجب أن يسقط مع الرئيس الذي ظل متفرجاً طوال ثلاثون عاماً على سقوط أهم عامل لقيام دولة. أخطر شيء في هذا الأمر أن النسب المعلنة للأمية وللالتحاق بالمرحلة الابتدائية لا تعبر عن الواقع، لأنها تقرأه بشكل كمي وتُهمل الجانب الكيفي. فالواقع يقول أن هناك خريجي دبلومات أميين لا يجيدون القراءة أو الكتابة. الكارثة الأكبر، إن الأمي الذي لم يحصل على شهادة في حياته يمكنه أن يلتحق بفصول محو الأمية، لكن إذا أمي بشهادة دبلوم، ماذا يفعل؟ وأي مكان يستوعبه؟ وما بالك بشعوره بالإحراج!
هناك فئة أخرى يجب النظر إليها والاهتمام بها وهي فئة الأطفال المتسربين بالفعل من التعليم أو من وصل منهم لمرحلة معينة في التعليم ولا يجيد القراءة والكتابة، هؤلاء تستهدفهم مبادرة بير السلم المتواضعة والتي يمكن أن تنتشر لتحدث فرقاُ.
مباردة بير السلم تقوم على تعليم خمس أطفال - في الوقت الحالي- تركوا المدرسة أو مازالوا بها ولا يعرفوا أن يقرأوا أو يكتبوا، منهم من عمل بعد تركه المدرسة ومن يعمل في الصيف ولديه مٌلحق. تلتقي المجموعة ثلاثة مرات خلال الأسبوع لمدة ساعة قبل ذهابهم للعمل في الصباح ويوم الأحد يوم أجازة الأطفال لمدة ثلاثة ساعات.
مكان اللقاء بمدخل العمارة...
اللقاء يتضمن تعلم القراءة والحساب وأنشطة مع وجبة بسيطة إن أمكن...
الأطفال والمنشطين يقطنون في نفس المنطقة بما يسهل على الجميع التواجد والالتزام.
المنهج تفاعلي قائم على الديمقراطية والمشاركة.
المباردة تسعى لتمكين أطفالها من الحصول على الشهادة الابتدائية باستحقاق
المبادرة عمرها أسبوعين وهناك فكرة لنشرها بشكل أكبر...
مزيد من الأخبار مع يوميات مبادرة ستنشر إن شاء الله في الفترة القادمة...
لأن الثورة مستمرة


[1] ما ينفعش أقول بعد الثورة علشان الثورة مستمرة.