الأحد، 7 أغسطس 2011

عن التوافق المجتمعي

تم الحشد لجمعة "الوفاق" والموافقة ليوم 29 يوليو على أن يتم توحيد مطالب الثورة التي لم تلبى بعد. ثم فوجئنا في هذه الجمعة بأفواج منظمة من السلفيين يهتفون: "إسلامية، إسلامية" تم حشدها من شتى أنحاء البلاد وشحنها في أتوبيسات للتحرير. فجاء اليوم الذي كان ينبغي أن يكون احتفالاً بالثورة وبالمصريين جميعاً وتأكيداً على مطالب الثورة الشعبية، جاء أشبه بمعركة "من يستولى على أكبر قطعة من التورتة"!
وبما أن الأمر كذلك، فلم لم تعلنوا ذلك على الملء لتستعد بقية التيارات المصرية؟ فكان ممكناً لمسيحيي مصر أن يشاركوا أيضاً هاتفين: "مسيحية، مسيحية" – في وحدة غير مسبوقة بين جميع الطوائف حتى ولو وقتية، وكان يمكن أن ينزل الليبراليين واليساريين والإخوان، كل ينادي بأيديولوجيته لتسود الساحة. ما هي أصبحت جمعة الفُرقة! عودة لاستخدام أسلوب الفزاعة من جديد، شأننا شأن النظام القديم الذي لم يسقط بعد. من يحرك الفزاعة؟ أمن الدولة المزعوم منحلاً؟ أم من؟ وبأمر ممن؟ أم إنهم هبطوا من أنفسهم لإثبات وجودهم؟ وهل يدركون لماذا أقدموا على الذهاب بهذا الشكل في ذلك اليوم؟
أتذكر أسطورة قديمة قرأتها منذ زمن... تحكي الأسطورة أن شخصاً مات واصطحبه الملاك في جولة حرة لكل من الجنة والنار، فذهب به أولاً إلى النار وإذ به يجد مأدبة كبيرة بها أشهى مأكولات الأرض والسماء وحول المنضدة جلس عدد كبير من الأشخاص يحاولون الأكل، كانت أمامهم ملاعق كبيرة وطويلة جداً بحيث عجزوا عن تناول الطعام بها وفشلت كل محاولاتهم للأكل والحياة وأخذوا يموتون في كل لحظة. ثم اصطحبه الملاك إلى الجنة، فوجد نفس الأمر، مأدبة بها أشهى المأكولات وأشخاصاً ملتفون حولها وملاعق طويلة جداً. الفارق الوحيد إنهم وجدوا المخرج ليأكل الجميع ويحيا... كان المخرج الذي وجدوه أن أخذ كل شخص يطعم شخصاً آخر بالملعقة الطويلة وبذلك لم يمت أحداً بل عاش الجميع في سعادة وسلام، واستطاع كل شخص من خلال إنقاذ حياة الآخر أن ينقذ حياته هو.
ماذا تعلمنا الأسطورة جنباً إلى جنب مع جمعة الوفاق التي فشلت في تحقيق التوافق المجتمعي؟ وما هو هذا التوافق؟ وكيف يكون؟
أيكون في حرية الأفراد في أن يستخدموا التحية التي تناسبهم وحسب رغبتهم سواء السلام عليكم أو صباح الخير وأن يأتي الرد متوافقاُ مع التحية بصباح النور أو عليكم السلام؟
أيكون في حرية المرأة في ارتداء ما يحلو لها في إطار يحترم المجتمع وأن يأتي رد فعل المجتمع محترماً لها دون إصدار أحكام أو اتهامات ودون معاكسات وتحرش؟
أيكون في أن يشرح المدرسين جيداً في الفصول ويمتنعون عن الدروس الخصوصية ومقابل ذلك يحصلون على مرتب يوفر لهم معيشة كريمة؟
أيكون بأن يٌسمح بالركنة صف ثاني في بعض الحالات على أن يترك السائق العربة "ممورة" بحيث لا يشل حركة الصف الأول؟
أيكون بأن يلتزم المواطن بعدم إلقاء القمامة في الشارع في مقابل توفير الدولة لحاويات وسلال مهملات يتم المرور بشكل دوري لإفراغها؟
أيكون في أن يلتزم المواطن بعدم التبول في الشارع في مقابل توفير الدولة لمراحيض عامة يتم صيانتها والوقوف على نظافتها طوال الوقت؟
أيكون في أن يتعامل المواطن مع أخيه المواطن دون تفضيل للتعامل ممن نفس الدين؟ أن تُلغى كلمات مثل "إحنا تبع بعض" أو "إحنا قرايب" أو "ولاد معمودية واحدة"؟ ليحل محلها – فعلياً وليس مجرد كلمات جميلة مزخرفة- جملة "إحنا مصريين".
كلها توافقات تحرر المصريين ولا تخنقهم وتضمن حق هذا وذاك، لا حق هذا على ذاك،تضمن أن يأكل الجميع ويحيوا في سلام. ورجوعاً للسلفيين والتورتة، أتساءل لم العودة إلى الرغبة في الاستحواذ؟ ألم يكفنا تجربتنا الأليمة مع الحزب الوطني؟
الأمر كله يستدعي ألا نقصر النظر على حقوقنا وحرياتنا، بل أن ننظر أيضاً باتجاه حقوق وحريات الآخر لبناء مجتمع يبحث عن فرح وسلام جميع أفراده على اختلاف انتماءاتهم وتياراتهم ومعتقداتهم. المسلمون ينظروا باتجاه حقوق المسيحيين والعكس، رجال الأعمال ينظروا لمصلحة العاملين والعكس، الرجل ينظر لحقوق المرأة والعكس، المدرسيين، سائقي السيارات والمترجلين، ... أن تحقق الدولة واجبها تجاه المواطن ويحقق المواطن واجبه تجاه الوطن وإخوته فيه.
وللوصول لهذا التوافق المنشود، ينبغي العمل على تنمية العديد من القيم المفتقدة مثل حرية الرأي والتعبير، وحرية العقيدة، والمسئولية الشخصية والجماعية وإعلاء قيمة التعلم والمعرفة على قيمة الشهادة التعليمية، وقيم أخرى كثيرة لبناء مصرنا...
ولنتذكر أن الثورة عندما قامت، هتفت: "الشعب يريد إسقاط النظام"، فلم تهتف باسم سلفيين أو إخوان أو مسيحيين ولا ليبراليين أو يساريين أو غيرها من التيارات الفكرية. وهذا الشعب الرائع الذي أسقط جزءاً من النظام ومازال يعمل على إسقاط ما تبقى، هذا الشعب نفسه يريد ويرجو أن يبني في يوماً ما نظاماً جديداً يتسع لكل المصريين.