الخميس، 3 سبتمبر 2015

من صفحة المجتمع بتاريخ 16 مايو 2015

في حفل مبين
جمع كلا العائلتين
تم خطبة إنسان قديم 
على الآنسة كاف ميم
جعلكم الله من الصابرين
ووفقكم في إيجاد صديقكم الأنتيم
حبيبكم الكريم
شريككم المتين
آمين
آمين
آمين

الجمعة، 30 نوفمبر 2012

أنا حرة- إحسان عبد القدوس

وكانت لا تزال ُمصرة على البحث عن الإيمان... إيمان يبرر حريتها ويحدد هدفها... فالتحقت بجمعية خيرية لمساعدة الفقراء، وذهبت إلى عباس لتبلغه خبر التحاقها بهذه الجمعية، وكانت متعبة مرهفة الإحساس منهوكة الأعصاب من طول سهادها، ومن طول العذاب...

وكانت ساعة متأخرةمن المساء وكان عباس جالساً إلى مكتبه يكتب وقد خلت الدار من كل الناس...

وتلقى عباس الخبر ثائراً، وألقى بقلمه من يده، وقال لها وهو يقوم من وراء مكتبهويحاول أن يبدو متهكماً أكثر من منه ثائراً:
- وليه ما تنضميش لصالة بديعة!

ونظرت إليه بعينين غاضبتين وقالت في عنف: 
-    قصدك إيه؟
- الجمعيات دي مش أكثر من صالة بديعة... شوية ستات ماشيين عريانيين... يبيعوا لحمهم مع الويسكي والشمبانيا لأسيادنا الأغنياء.

قالت في دهشة:
- ده علشان الفقراء...

قال وهو يروح ويجيء في الغرفة:
- الفقراء أصحاب حق... مش لازم يعيشوا على الإحسان... لازم يفضلوا فقرا، ويمرضوا، وموتوا، ويشوفوا الغلب، لغاية ما يثوروا ويطالبوا بحقهم...

قالت في صوت ضعيف كأنها تسترحم:
- وولادهم... الأطفال الغلابة اللي مالهمش ذنب...

واتسعت خطواته وأخذ يدق بها الأرض كأنه يريد أن يشعلها ناراً، وصرخ:
- ودول كمان لازم يموتوا علشان أهاليهم تثور... يموتوا ولا يعيشوا على الإحسان...

وصرخت وكأنها لم تعد تطيق مناقشته ولا سماع صوته: 
- أنت ما عندكش قلب... أنت حقود... أنت مدمر... أنت هدام... حرام عليك، لازم تعمل حساب الناس...

وبدا كأنه جن، واقترب منها وفي عينيه نار، ومد ذراعيه إليها وغرز أصابعه في كتفيها ورفعها من فوق مقعدها وأخذ يهزها في عنف وهو يصرخ:
- حساب الناس هو حساب الثورة، لازم تقوم ثورة... لازم كلنا نحترق ونحرق معانا كل شيء... مش ممكن حنبني إلا لما نهدم... فاهمة... لازم تقوم تقوم...     
  

السبت، 7 أبريل 2012

وسألت نفسي - من كتاب السؤال الحائر لمصطفى محمود



سألت نفسي عن أسعد لحظة عشتها؟

ومر بخاطري شريط طويل من المشاهد... لحظة رأيت أول قصة تنشر لي، ولحظة تخرجت من كلية الطب، ولحظة حصلت على جائزة الدولة في الأدب... ونشوة الحب الأول والسفر الأول... والخروج إلى العالم الكبير متجولا بين ربوع غابات إفريقيا العذراء، وطائراً إلى ألمانيا وإيطاليا والنمسا وسويسرا وإنجلترا وفرنسا وأمريكا... ولحظة قبضت أول ألف جنيه... ولحظة وضعت أول لبنة في المركز الإسلامي بالدقي... استعرضت كل هذه المشاهد وقلت في سري... لا ... ليست هذه...

بل هي لحظة أخرى ذات مساء من عشرين عاما اختلط فيها الفرح بالدمع بالشكر بالبهجة بالحبور حينما سجدت لله فشعرت أن كل شيء في بدني يسجد... قلبي يسجد... عظامي تسجد... أحشائي تسجد... عقلي يسجد... ضميري يسجد... روحي تسجد...

حينما سكت داخلي القلق وكف الاحتجاج ورأيت حكمة الله في العذاب فارتضيته، ورأيت كل فعل الله خير، وكل تصريفه عدل، وكل قضائه رحمة، وكل بلائه حب... لحظتها أحسست وأنا أسجد أني أعود إلى وطني الحقيقي الذي جئت منه وأدركت هويتي وانتسابي وعرفت من أنا... وأنه لا أنا... بل هو ولا غيره...

انتهى الكبر وتبخر العناد وسكن التمرد وانجابت غشاوات الظلمة وكأنما كنت أختنق تحت الماء ثم أخرجت رأسي فجأة من اللجة لأرى النور وأشاهد الدنيا وآخذ شهيقا عميقا وأتنفس بحرية وانطلاق... وأي حرية... وأي انطلاق... يا إلهي... لكأنما كنت مبعدا منفيا مطرودا أو سجينا مكبلا معتقلا في الأصفاد ثم فك سجني... وكأنما كنت أدور كالدابة على عينيها حجاب ثم رفع الحجاب.

نعم... لحظتها فقط تحررت.

نعم... تلك كانت الحرية الحقة... حينما بلغت غاية العبودية لله وفككت عن يدي القيود التي تقيدني بالدنيا وآلهتها المزيفة... المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغلبة والقوة...

وشعرت أني لم أعد محتاجا لأحد ولا لشيء لأني أصبحت في كنف ملك الملوك الذي يملك كل شيء.

كنت كفرخ الطير الذي عاد إلى حضن أمه...

كانت لحظة ولكن بطول الأبد... نعم تأبدت في الشعور وفي الوجدان وألقت بظلها على ما بقى من عمر ولكنها لم تتكرر... فما أكثر ما سجدت بعد ذلك دون أن أبلغ هذا التجرد والخلوص وما أكثر ما حاولت دون جدوى... فما تأتي تلك اللحظات بجهد العبد بل بفضل الرب... وإنما هو الذي يتقرب إلينا وهو الذي يتحبب إلينا... وما نتعرف إليه إلا به... وما نعبده لحظة تمام العبادة إلا بمعونته... وما ندخل عليه إلا بإذنه... فهو العزيز المنيع الجناب الذي لا يدخل عليه بالدعاوي والأقاويل.

ولقد عرفت آنذاك أن تلك هي السعادة الحقة وتلك هي جنة الأرض التي لا يساويها أي كسب مادي أو معنوي.

يقول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ﴿واسجد واقترب﴾ (19- العلق).

صدق الله العظيم... وما كل ساجد بمقترب إلا إذا خلع النعلين فألقى بالدنيا وراءه ثم ألقى بنفسه خلفها ودخل مسلم القلب عريان المشاعر خاشع الفؤاد ساجد الأعضاء... حينئذ يكون القرب... وتكون السجدة.

ولكم أتمنى أن أعاود تلك السجدة.

أو تعاودني تلك السجدة... ويتفضل علي الله بالقرب ويأذن لي بالعبادة حق العبادة... وأقول في نفسي أحيانا... لعلي لم أعد أخلع النعلين كما يجب وكما يليق بجلال المقام الأسمى... ولعل الدنيا عادت فأخذتني في دوامتها وعاد الحجاب فانسدل على العينين وعادت البشرية فناءت بثقلها وكثافتها على النفس الكليلة ولكني لا أكف عن الأمل وأسأل الله أن يشفع الأمل بالعمل سبحانه وسعت رحمته كل شيء.
     

الجمعة، 2 مارس 2012

من رواية "كوكب عنبر" لمحمد ربيع*


لستُ مهتماً بمصير المكتبة، لن أقلق على مجموعة من الأحجار والأخشاب، فهي مرصوصة فوق بعضها في شكل جميل أو قبيح، قتلتُ الحنين منذ سنوات ولم أزر القبر. ما يعنيني هو المحتويات، آلاف الكتب، تم بذل مجهود ضخم حتى تكتب، ومجهود آخر خيالي حتى تترجم بهذه الدقة، ولو حسبتُ الزمن الذي مضى في كتابتها وترجمتها لزاد عن عمر العالم، كل هذا مصيره إلى المخازن وأمعاء الفئران.

امتلأت المكتبة حتى لم يبق هناك مكان خال على رف، كان لابد من توسيع المكان، وهو غير قابل لذلك، أو تنقل الكتب إلى مكتبة أخرى. هل هذا هو المعتاد؟ لم أسمع من قبل عن مكتبة امتلأت عن آخرها، يعيش المكان عشرات الأعوام، تزيد محتوياته فيبدأون في توسيعه وزيادة عدد غرفه، تدريجياً يضيق المكان مرة أخرى حتى يأتي الفاتحون المسلمون فيحرقون المكان بما فيه.

منظر شاعري جداً، نار موقده ترتفع وتضيء ليل المدينة. أو يأتي المغول ليلقوا بمحتويات المكتبة في نهر دجلة، وهو منظر أكثر شاعرية، يتحول لون ماء النهر إلى السواد، بعد أن اختلط حبر الكتب بماء النهر، ويزيد بعضهم من شاعرية المشهد فيدعي أن المغول أشعلوا الكتب، لترتفع النار فوق النهر، عظيم جداً! التاريخ يكتبه المنتصر، ولو كتبه المهزوم لحول هزيمته لوَلوَلة وبكى على ما فات واندثر، شاغلاً الناس عن سبب الهزيمة وتقاعسه وخيب مسعاه. شكراً لمؤرخينا على هذه المشاهد الخيالية الجديرة بفيلم عالمي مدهش. هذا التاريخ الكامل دليل على أن كل المكتبات في النهاية مصيرها النار أو الغرق، مازلت أحاول تذكر اسم مكتبة عاشت إلى الأبد، لا يوجد. كوكب عنبر لن تكون استثناءاً للقاعدة. نهاية المكتبة تحين عندما تمتلئ، وكوكب عنبر امتلأت، أشعلوا النيران!

* إصدار 2010

من رواية "محال" ليوسف زيدان*


روحه ترتاح عند حواف البحيرة، فيأتي إليها دوماً بعد صلاة الفجر ويرمي بوصة الصيد في الماء، ثم يسكن حتى تطمئن سمكة وتنخدع بالطُعم، فتعلق في الطرف المغمور وتصير طعاماً... حتى لو خلت البحيرة من الأسماك، وكفت عن المنح، فسوف يظل يأتي للجلوس على ضفافها. وسيظل يكتب فيها الأشعار التي لم يخبر بها أحداً، قط، ولن يقرأها إلا لهذه البحيرة الحنون، التي يؤلف الشعر من أجلها. الظِل يدل. لا يحتاج النظر في ساعة يده ليدرك أن عقاربها تلامس السادسة، ولن يقلق على وصول الباص ليأخذه في تمام السابعة والنصف، لأن المواعيد مرعية عند العاملين بالسياحة وغير قابلة للقلق.

هام بعينيه من جديد على وجه الماء، فغمره الشعور الزور بأن البعيد قريب. البحيرة تحرِض الحالمين وتحن على الوحيد المغترب حين تستخف بالمسافات، وتستهين بتلك الحدود المرسومة لفصل المتصل بين مصر والسودان. الحدود. فوق الأوراق يرسمها الساسة بحسب المصالح والأهواء، ثم يزرعون عندها السياج وينثرون حولها المسلحين فتُمسي حائلاً لا يحول ولا يزول، إلا بالإذن أو بالسلاح. الصغار يرونها في الرسوم فيصدقون بها، وقد يقتتلون من أجلها حين يكبرون، لأن الوهم يُمسي بعد حين حقيقا.. فيصير التيه للناس طريقا.

العام الماضي كتب للبحيرة قصيدة يسألها فيها عن اسمها، وعما رأته طيلة السنوات الثلاثين الماضية، فلم تجاوبه. الناس هنا يسمونها البحيرة من دون إضافة، أو يفصلون للأغراب فيقولون "بحيرة السد" وأما الكتب المدرسية فهي تحتال على الصبيان وتسميها بحيرة ناصر. كانوا يشتهون في مصر النصر بعد ما افتقدوه طويلاً في الحروب، فوضعوه عنوةً في التسميات استجلاباً له وتيمنًا باسم رئيسهم ناصر.. "الناصر ربنا، وهو المستعان" يزعق الحاج بلال بذلك كلما سمع اسم عبد الناصر، مع أن صوته في العموم خفيض، لكنه لا يحب الرئيس الذي حرمه من بيته النوبي المشرفة نوافذه على النيل، من فوق ربوة صارت اليوم قاعاً للبحيرة. الحاج بلال المؤذن رجل وديع القلب، طيب، لكنه كأهل النوبة كلهم يأسى لسابق الأيام ولم يستسلم بعد للنسيان. وهو كبقية كبارهم سناً يؤكد أن جبلاً من الذهب كان يلمع عند الفجر بناحية الشرق، حتى طمَ الماء بعد السد فانطمر الذهب مع الدفائن، وانطمر الزمان النوبي. ويوقن الحاج بلال أن بجوف النيل سكاناً يعيشون حياتهم تحت الماء، كان أهل النوبة قديمًا يعدون الطعام في المناسبات، ويرسلونه لهم على صفحة النيل.       

* إصدار 2012